Description
** تنبيه! قد يحتوي هذا المقال على مشاهد ومعلومات لا تناسب فئة الأطفال.
كلنا سوف نموت. هذه حقيقة مطلقة لا تحتاج إلى مساءلة. قد يموت بعضنا مبكرا بعد معاناة مع التهاب الرئة أو مرض عصبي نادر، أو متأخرا بسبب جلطة دماغية أو سكتة قلبية. يوجد بيننا معمِّرون يتجاوزون المائة سنة، لكن الجميع سينتهي تلك النهاية المؤلمة ويتلاشى. لقد حيَّر لغز الموت أسلافنا لملايين السنين. "لماذا نموت؟ ماذا بعد الموت؟ كيف نؤخر موتنا قدر المستطاع؟" هذه كانت بعض أسئلتهم. الآن، بعد أن قيل الكثير عن الموت، لم يزل أحد الأسئلة غير مجاب، أو –بالأحرى– غير قابل للإجابة: ما هو شعور الموت؟
يبدو بديهيا أن الموت لا شعور له! فالجسد الميت لا يشعر. لكن ماذا عن الجسد الذي يموت؛ أي يعيش تجربة الموت؟ الإجابة صعبة فالذين يموتون الآن سيموتون بعد حين ولن نحصل منهم على إجابة شافية، أيضا لا أحد قد يجرؤ ويسأل مريضا يموت "كيف هو شعور الموت؟" بدلا من التعاطف معه.
في هذا المقال، سنحاول الاقتراب من تجربة الموت، أو بتعبير أدق تجربة ما قبل الموت. كيف ستشعر لو أصبت برصاصة أو طُعِنت بسكين؟ ما هو شعور أن تُقطع عنقك بسيف مصقول جيدا؟ ما هو شعور الموت غرقا؟ أو حرقا؟ أو خنقا؟ وكما هو متوقَّع، تندر الأبحاث العلمية التي تتناول مثل هذه الموضوعات، لذا سنعتمد بشكل أساسي على التجارب الشخصية للناجين من الموت بأشكال مختلفة. قد تصدق هذه التجارب أو تكون وهمية ومتخيلة نظرا لخلل الذاكرة الذي قد يتلو مثل هذا النوع من الحوادث أو التحيزات الشخصية، لكن على الأقل قد تغير نظرتنا حول الموت.
ما هو شعور الإصابة برصاصة؟
لا أحد يود أن يصاب برصاصة. كل أبطال الأفلام يرمون مسدساتهم ويرفعون أيديهم ويجثون على ركبهم عندما يوجه أحدٌ مسدسا إليهم. إلى الآن، تُعد المسدسات اليدوية (handguns) أكثر أدوات القتل استعمالا في أميركا، متسببة في مقتل قرابة 7105 ضحية. يصل العدد إلى 11004 إذا أضفنا ضحايا المسدسات اليدوية إلى ضحايا الأسلحة النارية الأخرى(1). فكيف هو شعور أن تخترق رصاصةٌ أجسامنا؟
ماتت ديبورا كوتون (Deborah Cotton) إثر مضاعفات طلق ناري تلقته بينما كانت تصور تقريرا إعلاميا في عيد الأم عام 2013(2). حدث كل شيء في ولاية نيو أورليانز، حيث سُمع إطلاق الرصاص في وسط الحشود المحتفلة وأصيب 19 شخصا، كانت ديبورا واحدة منهم. تصف ديبورا تجربة الإصابة برصاصة كالتالي: "ما يثير العجب أن الرصاصة عندما أصابتني لم أشعر بشيء! لا شيء إطلاقا، وهذا ما صدمني. أذكر أنها كانت أشبه بأن يرميني أحدهم بحصاة صغيرة..." لم تدرك ديبورا أن رصاصة اخترقت جسدها إذ تقول: "بالنظر إلى الأحداث التي كانت تجري حولي؛ الناس يصيحون ويركضون، وصوت الرصاص يدوِّي في الشوارع، لم يكن لدي سبب لأعتقد أن حصاة صغيرة شاردة من الرصيف هي سبب صدمتي. ثم بتردد توقعت أنني يجب أن أكون أصبت برصاصة."
لعلكم تشعرون بالدهشة الآن كما أشعر أنا. بالفعل، لا أحد يشعر بالرصاصة تخترق جسده وتحدث ألما فظيعا، لكننا جميعا نخاف المسدسات وتتسارع نبضاتنا وأنفاسنا ونتعرق، بل نتجمد في أماكننا حينما نسمع دويَّ الرصاص بالقرب منا. أن تصاب برصاصة يعني ألا تشعر بشيء، على الأقل لحظة الإصابة. إن ما نخاف منه ليس هو ألم الرصاصة بل ما يمكن أن تحدثه فينا من الإصابات الطفيفة إلى الموت. هذه قصة أخرى يروي كاتبها الذي لم يزل حيا بعدما أصيب بطلقة نارية في فخذه: "لم أشعر بشيء في الواقع إذ كان جسدي مغمورا بالأدرينالين حتى سألني المُسعف إن كان أحدهم ضربني، عندها استرخى جسدي قليلا وبلل الدم سروالي... وشعرت بالألم يقيد حركتي."(3)
تذكروا أننا نتكلم عن تجربة الموت لا عن تجربة الإصابة برصاصة طائشة. إذا بقي المصاب حيا سيشعر بالألم فيما بعد بلا شك كما قرأنا قبل قليل، لكنه إن مات فالأرجح أن آخر شعور ذاقه في الحياة هو الخوف، أو –ربما– الفرح إن كان قُتِل في مناسبة سعيدة!
التفسير العلمي
يستطيع الباحثون أن يحسبوا سرعة الرصاصة المنطلقة وتقييم الحالة الطبية وعلاجها لكنهم لا يستطيعون حشد مجموعة من الناس لإطلاق النار عليهم في تجربة علمية هادئة. لكن على كل حال، تبدوا روايات الناجين من الحروب وحوادث إطلاق النار معقولة. يمكن تفسير "عدم الشعور بشيء" إثر تلقي رصاصة من عدة جوانب؛ أهمها ميكانيكا الرصاصة وفسيولوجيا الجسد. تختلف سرعة الرصاصة المبدئية (أي لحظة انطلاقها من فوهة السلاح الناري) بين أنواع الأسلحة، يذكر أحد المراجع أن رصاصات بعض الأسلحة تنطق مبدئيا بسرعة 1200 مترا/ثانية أو 1500 مترا/ثانية في بعض الأسلحة الكبيرة(4). جزء من الألم الذي نتخيله إذا افترضنا أن رصاصة أصابتنا أو شاهدنا مشهد إصابة في أحد الأفلام هو أن أدمغتنا تحلل الطلق الناري بسرعة تتناسب مع قدراتها على الاستيعاب؛ أي أننا نتخيل الرصاصة تلامس...